أفاق وفرص لنمو الاقتصاد والنقل لتعميم تجربة مصدر كنموذج معياري
يمتاز العالم العربي، نظراً لموقعه الجغرافي، بموارد هائلة من الطاقة الشمسية والرياح ما يجعله يمتلك أعلى سطوع شمسي حيث يقع ضمن ما يسمى بحزام الشمس الذي يستفيد من معظم أشعة الشمس الكثيفة على الكرة الأرضية من حيث الحرارة والضوء على حد سواء.
ونظراً لنموه السكاني يشهد العالم العربي ارتفاعاً كبيراً في الطلب على موارد الطاقة خصوصاً تلك المستعملة في انتاج الكهرباء حيث من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة بنسبة تفوق الـ 7 في المئة خلال السنوات القادمة، وهذا إن دل على شيء فانه يدل على ان العالم العربي بحاجة للطاقة المتجددة لأسباب عدة منها: المساهمة مع المجتمع الدولي في التخفيف من الآثار البيئية وخفض نسبة تركيزات غازات الاحتباس الحراري المسببة بالتغير المناخي كما أنها بحاجة أيضاً لمواجهة الطلب على موارد الطاقة الحالية في المستقبل حيث يشكل النفط والغاز نسبة 98.2 في المئة من استهلاك الطاقة في العالم العربي وتعتبر من أعلى النسب في العالم.
ان العالم العربي غني جداً بموارد الطاقة المتجددة، وأهمها الطاقة المائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي من الممكن تطويرها بالتزامن مع اختلاف المصادر ووفقاً للتنوع الجغرافي، ورغم هذه الامكانات فإن البلدان العربية هي من أفقر المناطق في العالم فيما يتعلق بإستغلال وتوظيف هذه الطاقة. ويقتصر حالياً إسـتغلال الطاقة الشمسية من قبل المسـتهلكين في العـالم العربي على تطبيقات تسـخين الميـاه وإنـارة الحدائق ولم تدخل الطاقة المتجددة بشكل جدي في الاستخدمات الانتاجية كالصناعة والنقل والتي من الممكن ان تؤمن حلول مستدامة وصديقة للبيئة.
وأثبتت تجربة الامارات العربية المتحدة في مجال تطوير الطاقة المتجددة انه يمكن للدول العربية والدول النامية ان تكون رائدة في هذا المجال، تلك التجربة المتميزة جعلت الامارات عاصمة الطاقة المتجددة في العالم عبر استضافة ابو ظبي للمقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) واطلاق مدينة "مصدر" والتي تعد تجربة فريدة من نوعها ضمن مساعي إمارة أبوظبي لترسيخ مكانتها كمركز عالمي رائد للتميز في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة. بدأ العمل في المشروع العام 2006 بعد أن أطلقته شركة أبوظبي لطاقة المستقبل بهدف إقامة مدينة تعتمد في شكل كامل على الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وإيجاد بيئة خالية من الكربونات والنفايات. وتوفر "مدينة مصدر" التي باتت اليوم حاضنة عالمية للمعرفة والأفكار والأعمال التجارية وأعمال البحث والتطوير بيئة مساندة للابتكار وروح الريادة، ما جذب اهتمام العديد من الشركات العالمية لاتخاذها منصة لإطلاق المبادرات والابتكارات الجديدة في مجال الطاقة المتجددة.
وتتبنى مدينة مصدر الطاقة المتجددة بشكل كامل للنقل حيث يحظر استخدام السيارات داخل المدينة وتعتمد على أنظمة النقل التي تشغلها الطاقة النظيفة، منها نظام النقل العام ونظام النقل الشخصي السريع الذي يستخدم في الحرم الجامعي لمعهد مصدر كمشروع تجريبي. أما نظام النقل العام فيستخدم القطارات الخفيفة والحافلات والسيارات الكهربائية، وسوف يتم ربط هذه الأنظمة بشبكة الطرق الرئيسة وخطوط السكك الحديدية التي ستشكل حلقة وصل مع المناطق الأخرى خارج المدينة. ورعت "مصدر" مشروعين رائدين يعززان الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة وهما استضافة الطائرة التي تعمل بالطاقة الشمسية سولار إمبلس 2 في رحلتها حول العالم، ورعاية مسابقة أبوظبي للسيارات العاملة بالطاقة الشمسية التي تقام لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط، بمشاركة أكثر من 20 فريقاً جامعياً من مختلف أرجاء العالم.
وكانت الامانة العامة لجامعة الدول العربية أطلقت مبادرتها لتعزيز تقنيات الطاقة المتجددة على مستوى المنطقة العربية وذلك إلى جانب الاستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة للخطة 2030 - 2010 التي اعتمدتها القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة بالرياض . وتخلص المبادرة إلى ضرورة وجود إطار مؤسسي عربي لنشر استخدام الطاقة المتجددة على نحو مستدام مع الأخذ فى الاعتبار الأولويات الوطنية، حيث اقترحت تأسيس هيئة عربية للطاقة المتجددة تحت مظلة جامعة الدول العربية على غرار الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (ايرينا)، وتهتم الهيئة الجديدة بزيادة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة العربي إلى جانب دعم البحث والابتكار والتطوير وتعزيز القدرات التصنيعية في هذا المجال.
ورغم المبادرات والدراسات العربية التي اطلقت حول استعمال الطاقة المتجددة على المستوى العربي المشترك او على مستوى الدول، الا ان الأهم يبقى في والاقتداء بالتجارب التنفيذية الناجحة وابرزها التجربة الاماراتية ويكون هذا الأمر عبر عدة محاور اهمها الاطر القانونية والتشريعية الكفيلة بتنظيم الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة بحيث تضمن الشفافية والمساواة في الفرص وتقدم بدائل تمويلية محفزة لزيادة استخدام الطاقة المتجددة واجراءات لتوطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة في العالم العربي ونقل المعرفة وتصنيع المعدات اللازمة، وهذا الامر يتطلب توفير الخبرات الفنية.
يبقى الأهم التركيز على دور القطاع الخاص في الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وتأمين مصادر مناسبة للتمويل والاعفاءات الجمركية والضريبية التي تشجع راس المال وتخفض المخاطر وتساهم باطلاق مشروعات شبابية ريادية في مجال الطاقة المتجددة وتقنياتها وتعميم الاستخدامات في شتى الانشطة الاقتصادية بما فيها الصناعة والنقل.