نبهت خلال اجتماعات مجلس الوزراء العراقي في العام 2009 الى ضرورة تفعيل دور الموارد الاقتصادية غير النفطية، وتفعيل دور الناقل الوطني للقطاعين العام والخاص دعماً للاقتصاد الوطني. وقدمنا دراسة في العام 2010 لتطوير القطاع الصناعي، وتضمنت هذه الدراسة توفير مائة الف فرصة عمل دون تعيينات حكومية الا ان الاجندات السياسية عملت على تعطيل عجلة الاقتصاد الوطني، حتى اصبح 95 في المئة من موازنة العراق تعتمد على الموارد النفطية.
وعند إنخفاض سعر النفط الى ما دون الخمسون دولاراً للبرميل الواحد، وقع "الفأس على الرأس" كما يقال، واصبحت موازنتنا في وضع حرج لما فيها من عجز كبير يكاد يتعذر على الحكومة تأمين الموازنة التشغيلية، وعليه شهدنا تخبطاً في ايجاد الحلول المناسبة. لذا عمدت الحكومة الى إصدار قرارات لترشيد المصروفات في امور غير معتبرة، وتجاهلت الهدر الاقتصادي الكبير غير المنظور، ولم نجد احداً يفكر بالتصدي لهذه الملفات المهمة والتي لها قيمة معتبرة ومؤثرة اقتصادياً، ومن هذه الملفات:
الهدر الاقتصادي غير المنظور في الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية العراقية، ونظراً لتعدد الجهات الرسمية في المطارات والموانئ والمنافذ الحدودية البرية والتابعة الى عدة وزارات اتحادية وممثلة ادارياً بمدراء اقسام كحد اعلى كدوائر (الجمارك التابعة الى وزارة المالية، والامن العام والجوازات التابعة الى وزارة الداخلية، ودائرة الحجر الصحي التابعة الى وزارة الصحة، والحجر الزراعي التابعة الى وزارة الزراعة، والتقييس والسيطرة النوعية التابعة الى وزارة التخطيط، اضافة الى دوائر الموانئ والمطارات التابعة الى وزارة النقل مع مكاتب اخرى غير رسمية)، وبما أن الخروقات الحاصلة في هذه المواقع تنعكس سلباً على امن وسيادة العراق اضافة الى اثرها السلبي على الاقتصاد الوطني، ونظراً للظروف الاقتصادية الحرجة بسبب انخفاض سعر النفط عالمياً حيث ان العراق يمر بسياسة تقشفية، واذا ما اردنا تطبيق قانون التعرفة الجمركية لما له من ايجابيات على اقتصاد البلد ربما تحدث ردود افعال بسبب ارتفاع اسعار البضائع المستوردة في السوق العراقية. وعليه ولتقليل هذا الضرر نقترح تفعيل دور المشرف العام على الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية للتنسيق بين الجهات العاملة في المنافذ الواردة اعلاه لتقليل الروتين وعدم تأخير البضائع في الحرم الجمركي والذي يؤدي بدوره الى زيادة التكلفة على التاجر بسبب الروتين المقيت والتأخير لارتباط كل جهة في المنفذ بوزارة ولاسيما بأن التمثيل الاداري لهذه الجهات تارة يكون بمستوى قسم وتارة بمستوى شعبة أي انها تعمل بصلاحيات محدودة جداً مما يترتب عليها استحصال الموافقات لأبسط الامور عبر سلسلة مراجع روتينية مع غياب المنسق العام فيما بينها ضمن دائرة النافذة الواحدة .
ان مقترح تفعيل دور المشرف العام لا يلغي ارتباط هذه الدوائر بوزاراتها بل يبقى ارتباطها الإداري بوزاراتها الا ان ارتباطها الفني والتشغيلي بالمشرف العام قدر تعلق الامر بتسهيل الاجراءات في المنافذ لإخراج البضائع بأسرع وقت ممكن وتقليل الهدر الاقتصادي غير المنظور في المنافذ علماً بأن جميع الجهات العاملة في هذه المنافذ تابعة للوزارات الاتحادية حصراً ولا يوجد أي تداخل مع عمل الادارات المحلية للمحافظات كما نقترح تكليف المشرف العام على الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية بالمتابعة والتنسيق بين جميع الجهات ذات العلاقة الوارد ذكرها اعلاه لغرض تذليل الصعاب وتجاوز الاجراءات الروتينية المقيتة لتحقيق الصالح العام بسرعة وامان لإدخال البضائع المستوردة الى العراق ولاسيما بأن موانئنا ومطاراتنا ومنافذنا الحدودية تشهد تأخيراً كبيراً في تخليص وادخال بضائع التجار بل احيانا تعرقلها دون مبررات لأغراض الفساد وبذلك يترتب عليها كلف اضافية تنعكس سلباً على المواطن في شكل مباشر وعلى الدولة في شكل غير مباشر بسبب فقدان التنسيق بين الجهات اعلاه ضمن النافذة الواحدة للمشرف العام علماً ان هذا التأخير يتسبب بقيام الكثير من التجار بتغيير مسار النقل لبضائعهم عبر الموانئ الايرانية بدلاً عن الموانئ العراقية وعلى سبيل المثال فان الكلفة الاجمالية لنقل حاوية 40 قدماً من الامارات الى بغداد عبر موانئنا مع التخليص الجمركي واجور وعوائد الموانئ لتأخير البضاعة في الميناء وغيرها من الاجور غير الرسمية تبلغ حوالي 5000 دولار واحياناً تتأخر البضاعة عدة اشهر حتى تصبح الاجور لصالح الموانئ اكثر من قيمة البضاعة مما يضطر التجار الى ترك البضاعة في الموانئ دون استلامها!! ولذلك قام العديد من التجار بتغيير مسار نقل بضائعهم عبر الموانئ الايرانية ومن ثم تنقل بشاحنات ايرانية الى كردستان وبعدها تنقل الى بغداد والمحافظات، علماً بأن الكلفة الاجمالية لنقل حاوية من الامارات الى ميناء بندر عباس الايراني ومن ثم بشاحنة ايرانية الى كردستان وبعدها بشاحنة عراقية الى بغداد مع كافة الاجور الرسمية وغير الرسمية تبلغ حوالي 4000 دولار وعليه فان العراق خسر في ظل هذه العملية ما يلي:
1. اجور وعوائد السفن حيث ذهبت للموانئ الايرانية
2. اجور وعوائد الوكالات البحرية ذهبت للجانب الايراني
3. كلف الخدمات البحرية ذهبت للجانب الايراني
4. فرص عمل لعمال الشحن والتفريغ ذهبت للجانب الايراني
5. فرص عمل للشاحنات ذهبت للجانب الايراني
6. رسوم الجمارك ذهبت الى حكومة الاقليم
ان الفترة الزمنية لوصول البضاعة عبر ايران وكردستان الى بغداد اقل بكثير من مرورها عبر الموانئ العراقية بسبب الروتين المقيت للجهات المتعددة العاملة في موانئنا ومطاراتنا ومنافذنا الحدودية وغياب التنسيق فيما بينها لتعدد مرجعياتها، علماً بان استحداث منصب المشرف العام على الموانئ والمطارات والمنافذ الحدودية كان عام 2007 جاء لهذا الغرض بالدرجة الاولى ولكن نظراً لتعيين شخص غير متخصص بهذا المجال كمشرف عام ظل دوره مغيباً بل انعكس سلباً على اقتصاديات النقل في العراق وما زال حتى يومنا هذا.
وعليه، اقترح تفعيل دور المشرف العام، وخصوصاً ان هناك مهام كثيرة تنتظره ليس لتقليل الروتين وتسهيل الاجراءات فحسب بل لحفظ السيادة الوطنية وامن واستقرار الموانئ وفقاً لمتطلبات المنظمة البحرية الدولية (IMO) والمطارات وتلبية لمتطلبات المنظمة الطيران المدني الدولية (ICAO) وكذلك الاشراف على تنظيم دخول وخروج الشاحنات امنياً ولوجستياً واعتماد اجراءات حديثة الكترونية لتسهيل الاجراءات والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة اعلاه. لذا، ارجوا من رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة الاستفادة من المقترحات اعلاه لما يخدم امن وسيادة واقتصاد بلدنا الحبيب.
* رئيس المكتب العراقي الاستشاري
* وزير النقل العراقي الاسبق