يشغل مرفأ بيروت موقعاً استراتيجياً مميزاً على ساحل البحر المتوسط، حيث يشكل مركز التقاء بين القارات الثلاث اوروبا وآسيا وافريقيا. ويعتبر من أهم مرافئ المنطقة، وهو المنفذ البحري الرئيس لعدد كبير من الدول العربية. وقد شكل محطة تجارية هامة بين الدول العربية المنتجة للمواد الاولية والطاقة، والدول الغربية الصناعية. كما يعتبر مرفأ ترانزيت لدول عدة منذ أقدم العصور. وهذا ما جعل منه ممراً لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب.
بيروت – هلا داغر
المرفأ في التاريخ
لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن حقبات عدة ومختلفة مرت على هذا المرفق الحيوي للبنان والمنطقة فطبعت عمله ونشاطه وخطط تطويره. ارتبط تطوره بالظروف المعاشة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي التاسع عشر من حزيران عام 1887 صدر فرمان عثماني منح بموجبه امتياز انشاء مرفأ إلى شركة عثمانية تحت اسم "شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت". وتبع هذا الامتياز موافقة ادارة الجمارك على منح هذه الشركة جميع الحقوق الحصرية المتعلقة بتخزين ونقل البضائع المارة عبرها. وبعد الانتهاء من الأشغال البحرية جرى الافتتاح الرسمي للمرفأ في نهاية عام 1894 حيث امتدت أحواضه آنذاك من رأس الشامية حتى رأس المدور .
في العشرين من أيار عام 1925 اكتسبت "شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت" الجنسية الفرنسية. وفي الثالث عشر من نيسان عام 1960 جرى استرداد الامتياز الممنوح للشركة الفرنسية وأعطي لشركة لبنانية تحت أسم "شركة ادارة واستثمار مرفأ بيروت" والتي عملت على توسعة المرفأ بأنشاء الرصيف 14 والمول 3 وزيادة طول مكسر الموج .
في نهاية عام 1990 انتهت مدة الامتياز الممنوح ل"شركة ادارة واستثمار مرفأ بيروت" وعهدت الحكومة الى لجنة مؤقتة لادارة مرفأ بيروت عرفت باسم "اللجنة المؤقتة لادارة واستثمار مرفأ بيروت".
في عام 2007 سجلت نقطتان إيجابيتان لصالح مرفأ بيروت. فبحسب مجلة "Container Management Magazine" أصبح مرفأ بيروت (مع أربعة مرافئ أخرى) مدرجاً على لائحة أكبر مرافئ الحاويات في العالم. وفي 12 تموز 2007 تم إفتتاح المنطقة اللوجستية الحرة في مرفأ بيروت، وهي تضم مجموعة من كبرى الشركات التي تتعاطى خدمات النقل والتخزين. وكانت الغاية من إنشاء المنطقة اللوجستية جعل مرفأ بيروت محطة توزيع رئيسية للشرق الأوسط ونقطة جذب للشركات العالمية من خلال خدمات تخزين ونقل حديثة وسريعة، وكذلك إحياء وتشجيع التجارة المثلثة "الترانزيت" من وإلى وعبر بيروت التي كانت عبر التاريخ بوابة العبور التجارية للقارات الثلاث المحيطة بحوض البحر المتوسط. تبلغ مساحة المنطقة الحرة في المرفأ 81000 متراً مربعاً، ويجري العمل على توسيعها لتمتد على مساحة 124000 متراً مربعاً أو إنشاء مبانٍ جديدة، من بينها مبنى مجهز بأحدث الطرق لعرض المجوهرات والتحف والسجاد والذي تبلغ مساحته 18 ألف متر مربع.
ومما لا شك فيه أن إنشاء المنطقة الحرة اللوجستية في مرفأ بيروت اعتبر حدثاً هاماً في تاريخ المرفأ، استجاب لحاجة إقتصادية أعربت عنها جهات عديدة في قطاع النقل في لبنان. ومن المهم بمكان أن نشير إلى أن المستودعات اللوجستية تقوم باستقبال البضائع الأجنبية الواردة من الخارج برسم المنطقة الحرة، حيث يصار إلى إعادة تهيئتها وتوضيبها تسهيلاً لتسويقها، ومن ثمّ يصار إلى إرسالها بطريقة الترانزيت، أو إلى إعادة شحنها إلى الخارج، أو إلى وضعها في الإستهلاك المحلي عند الإقتضاء.
المواصفات
حين نذكر المرفأ لا بد من الإشارة إلى مساحته وأقسامه، فالمساحة الاجمالية للمرفأ تبلغ 1.200.000 متراً مربعاً، والمسطح المائي 1.002.000 متراً مربعاً. أما مساحة المسطح المائي للرصيف 16 فتبلغ 200.000 متراً مربعاً مع مكسر أمواج بطول 550 متراً. والجدير ذكره أن جميع الارصفة مجهزة بمآخذ للمياه لخدمة السفن. يتألف مرفأ بيروت من أربعة أحواض، يتراوح عمقها بين 20 و 24 متراً، أما عدد الأرصفة فيه فتبلغ 16 رصيفاً، تنتشر عليها المستودعات المسقوفة والمكشوفة. وتبلغ مساحة أحواضه نحو 660000 متراً مربعاً.
الجدير ذكره أن مرفأ بيروت يتعامل مع أكثر من 300 مرفأ عالمي، ويقدر عدد السفن التي ترسو فيه بـ 3100 سفينة سنوياً. وتمثل حركة البضائع الواردة عبره أكثر من 70 بالمئة من البضائع التي تدخل لبنان، كما تشكل عائداته الجمركية حوالي 77 بالمئة من مجمل العائدات في المرافىء والمطار والمراكز الحدودية البرية. المرفأ مجهز بأحدث أدوات التفريغ والتحميل، ويؤمن أفضل الشروط للتخزين. إلا أن المشروع الهام الذي يعزز حركة العمل في مرفأ بيروت، والذي هو قيد التنفيذ هو مشروع توسعة الرصيف 16، والذي شارف على الانتهاء، ويقضي بتحقيق رصيف بطول 500 متر، مما يمكن محطة المستوعبات من التحرر من المستوعبات المكدسة بعضها فوق بعض. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن حركة العمل في هذه المحطة تجاوزت رقم المليون حاوية نهاية 2012 فيما هي كانت معدة لاستيعاب ما بين 400 و450 حاوية، "هذا بحد ذاته يتحدث عن نجاح المرفأ" على ما يشير وزير النقل غازي العريضي.
نمو لافت
رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت ايلي زخور في تقييم لحركة مرفأ بيروت خلال عام 2012 ، يقول أن مرفأ بيروت حقق في العام 2012 نتائج ايجابية وسجل حركة جيدة، فشكل نموذجاً استثنائياً، لأنه استطاع أن يحقق نمواً ملموساً بحركته ومجموع وارداته المالية، مضيفاً أن الزيادة الجيدة في حركة البضائع والسيارات والحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي انعكست ايجاباً على المجموع العام للواردات المالية المتمثلة بالواردات الجمركية والضريبة.
وحين يتحدث بالأرقام، يشير إلى أن الوزن الإجمالي للبضائع المستوردة والمصدرة عبر مرفأ بيروت في العام 2012 بلغ 7.229 مليون طن أي بارتفاع نسبته 9% عن العام 2011. وحققت حركة السيارات التي تداولها رقماً قياسياً فبلغ عددها 86194 سيارة بزيادة نسبتها 29 في المئة. كما بلغت حركة الحاويات التي تعامل معها 1.041 مليون حاوية وبنمو نسبته 1 في المئة، مما مكّن مرفأ بيروت للعام الثاني على التوالي من تجاوز حركة المليون حاوية سنوياَ والدخول في قائمة افضل 100 مرفأ في العالم ليحتل المركز 97 .
أما أسباب هذه الزيادة فيعزوها زخور إلى انعكاسات الاضطرابات الإقليمية، خصوصا الأحداث الامنية التي تشهدها سوريا، الأمر الذي دفع الى رفع وتيرة استخدام المرفأ على أكثر من صعيد، خصوصاً لجهة الاستيراد تلبية لاحتياجات الأسواق السورية، ولتصدير البضائع اللبنانية التي كانت تصدر براً عبر سوريا خاصة إلى تركيا بسبب إغلاق الحدود السورية، ولاستيراد البضائع إلى السوق اللبنانية والتي كانت تستورد براً عبر سوريا.
ويضيف من جهة أخرى أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أدت الى زيادة استيراد البضائع إلى لبنان حيث يقوم التاجر اللبناني بدوره إلى تصديرها إلى سوريا لسد النقص الموجود في الأسواق. وحول توقعاته باستمرار مرفأ بيروت بتحقيق النتائج الجيدة بحركته ومجموع وارداته المالية في العام 2013، يأمل زخور أن يستمر المرفأ بتحقيق هذه النتائج الايجابية في العام 2013 ذلك أن مرفأ بيروت هو واجهة الاقتصاد اللبناني ومن شأنه تحريك كافة القطاعات الإقتصادية الأخرى.